وتتجلَّى فعاليات حالة الاستنفار الشعبية في مدينة القدس والمناطق التابعة لها، والتي تؤكد حرص الإجماع الشعبي للدفاع عنها في مواجهة الحملة الصليبية الجديدة، “حركة التغلغل الأجنبي” والاطماع الصهيونية ، وفي ضوء ذلك فقد امتلكت مدينة القدس في مسيرتها التاريخية إبان الحكم العثماني تجارب زاخرة تؤكد على الالتفاف الشعبي حول ريادتها للمقاطعات الفلسطينية، وأن وتيرته ترتفع وتتصاعد كلما أحدقت بها الأخطار الخارجية والتي اشتدت وطأتها بانطلاق عجلة التغلغل الأجنبية عام 1832م، بينما رأت الدولة العثمانية بالقوى الشعبية المحلية خط الدفاع الثاني عنها والسلاح المحلي الذي لا ينضب في مواجهة حركة التغلغل الأجنبية، ولهذا حرصت القوى الاستعمارية على اختراقه واستدراج بعض عناصره تحت وطأة الإغراء المادي، ولم تنطلِ هذه الحيلة على السكان فنعتوا الحكم البريطاني بالاحتلال.
وقد عبَّرت جريدة المنادى المقدسية عام 1912م عن ما ينتاب العفوية الشعبية إزاء مدينة القدس في مواجهة حركة التغلغل الأجنبية، وفي مقدمتها الحركة الصهيونية وتوجهاتها في إقامة الوطن القومي بعد مؤتمر بازل عام 1897م بنعتها بعاصمة البلاد الفلسطينية ومما لا شك فيه أن زخم العفوية الشعبية والتفافها نحو فلسطين وعاصمتها مدينة القدس قد اشتدت فعالياتها في ظل الاحتلال البريطاني، وكانت في تنامٍ مستمر، واتضحت أبعاده كلما تغطرست سلطات الاحتلال وانحازت بإجراءاتها الاستعمارية إلى الحركة الصهيونية، ولعبت وسائل الإعلام وسرعة انتشار الأخبار دوراً مهماً في التنادي العفوي وإبقاء المدينة حاضرةً في أذهان قطاع واسع من أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين وجوَّاليه المقيمين في المهجر.
ونلاحظ أن القيادة البريطانية العسكرية ووريثتها المدنية قد أدركت مبكراً الأسباب الكامنة خلف تنامي المشاعر الوطنية والقومية لدى الشعب الفلسطيني إزاء ما ينتظرها
من الوطن القومي وإنفاذ وعد بلفور والانتداب، وهو ما عبرت عنه مدينة القدس
والمناطق التابعة لها بالمسيرات ورفع اليافطات والشعارات والأعلام – العربية – الفلسطينية
والرايات السوداء والهتافات والأهازيج الرافضة للسياسة البريطانية، وغالباً ما دارت بينها وبين البوليس والجيش البريطاني والمستوطنين المواجهات التي ذهب ضحيتها الشهداء والجرحى والمعتقلون والمطاردون غيابياً، وغالباً ما امتدت أصداؤها إلى جميع المقاطعات الفلسطينية، وتعبيراً عن وحدة الصف والهدف نشرت صحيفة فلسطين رسماً كراكتوريا عام 1936م يشير إلى إجماع أبناء المدن والأرياف والبوادي وإصرارهم على التحدي والمواجهة في سبيل الحرية والاستقلال “ نحن عرب فلسطين فلاحين وبدو وأفندية نعاهد الله ونقسم على هذا القرآن الكريم أن نكون جهة واحدة في الدفاع عن قضيتنا العادلة”.
ومما لا شك فيه أن أعداد المشاركين في المسيرات والمظاهرات كان يختلف من مكان لآخر، ففي تاريخ 21/2/1920 م نظمت مدينة القدس مظاهرة صاخبة قُدِّر المشاركون فيها ما يقرب (14) ألف نسمة، جابت شوارعها الرئيسة وتوقفت قبالة سرايا الحاكم العسكري والقنصلية الأمريكية والإسبانية والإيطالية والفرنسية؛ للتعبير عن رفضها للسياسة البريطانية إزاء فلسطين وعاصمتها القدس.
وكانت ظاهرة التجسس والعمالة للانتداب من أهم القضايا التي أشغلت بال الإجماع الشعبي خلال فترة الانتداب البريطاني ، فتَدَاوَل الأعمال المشينة التي تُرتَكَب من قبل الخونة والخارجين على الصف الوطني أفراداً وجماعات، وقَاطَع كل من خرج على عفويتها وصفِّها الوطني وغلَّب مصالحه الشخصية على العامة، وتداولت فيما بينها أخباره السيئة وطالبت قواها الاجتماعية بأن لا تجاوره في مسكن ولا تصاهره في نسب ولا تجامله في مأكل ولا مأتم، وعند وفاته لا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ بناءً على الفتاوى الشرعية التي صدرتها القيادات الدينية، علاوةً على العقوبات الساخرة والجسدية التي لحقت بهم ووصلت إلى حد الإعدام، ولسان حالهم يردد “ من لا أرض له لا وطن له” “وفي بلد العيد لم يكن عيد” .
وبالرغم من وحدة الصف في الإجماع الشعبي إلا أنه تعرض للتباين والتردد في بعض الأحيان إزاء موقفه من العمل في الدوائر البريطانية والمستوطنات الصهيونية، وضرورة المقاطعة الاقتصادية في ضوء البطالة المتزايدة وهيمنة بريطانيا على حركة الاستيراد والتصدير وقطاع النقل والموانئ والبنى التحتية والطاقة، وتدفق الأموال الصهيونية عبر البحار.
وحذر الإجماع الشعبي الفئة الضالة المتسترة بين صفوفه من النتائج الوخيمة التي لا بد وأن تترتب على الشعب الفلسطيني، إذا ما استمروا في غيهم، ونبه إلى ما جلبته الهجرة الصهيونية من الرذائل والتحايل والتزوير والمبادئ الهدامة، وأن تعاونهم مع الصهيونية لن يُبقِي مستوطنيها أقلية، وبعد أعوام قليلة يصبحون أكثرية وتتحول الأكثرية العربية إلى خدم لها، وإن ادعاءاتها بأن فلسطين أكوام من الرمال أحالتها إلى جنات يجب أن لا تنطلي على الجميع، وعلى الجميع أن يعلموا بأن دمعة ذرفها اللورد روتشيلد في قصره في لندن على مائدة الغداء المقامة للورد بلفور أسهمت في التعجيل بصدور الوعد المشئوم، وحَفَّزَ الجنرال اللنبي قائد الجيش البريطاني لاحتلال مدينة القدس، عندما رد على إعجاب بلفور بالقصر بدمعة تؤكد أن هناك العديد من اليهود ليس لهم وطن يقيمون فيه بيوتهم.
إلا أن السياسة البريطانية المنحازة للحركة الصهيونية تؤكد أن “الإنجليز باعوا أنفسهم لليهود”؛ وذلك بغية أن يصبح الوطني غريباً في بلاده بعد أن فتح الانتداب أبواب فلسطين بمساحتها المحدودة أمام الهجرة الصهيونية من كافة أنحاء العالم بعيداً عن المستعمرة البريطانية الواسعة النطاق؛ كي يبنى هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى، وهو ما وضع فلسطين وعاصمتها مدينة القدس ورسالتها الحضارية وتسامحها الديني في مأزق كبير، فعملت على السماح لغلاة المستوطنين بالخروج على العادات والتقاليد والأعراف القائمة التي تحكم العلاقة بين الطائفة اليهودية وحائط البراق، مما أدى إلى إشعال ثورة البراق عام 1929م.
وكانت الأعراف السائدة تقضي بأن يقف المصلون اليهود قبالة البراق الشريف، ويمرون بزقاق المغاربة مقابل البدل النقدي الذي اعتادوا على دفعه لمتولي وقف أبو مدين الغوث في القدس؛ لكون الزقاق وقفاً على المغاربة الوافدين للمدينة منذ عهد الملك الأفضل الأيوبي، وأعلنت بأنها ستقوم بالحد من الهجرة الصهيونية، وجاءت مراقبتها للموانئ والشواطئ والمعابر البرية المطارات شكلية.
ومن الجدير بالذكر أن الأحداث التي كانت تحصل في مدينة القدس كانت تجد لها أصداء قوية في الأوساط الشعبية الفلسطينية داخل المواقع المأهولة المدنية والريفية والبدوية، ومَنْ يقلب صفحات الصحف الفلسطينية عامة والمقدسية خاصة يلحظ ردود الأفعال القوية إزاء ما كان يجري في مدينة القدس من تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفي مقدمتها أخبار السياسة البريطانية المنحازة للحركة الصهيونية، ومن بينها المسيرات والمواجهات العارمة التي انطلقت من رحاب المسجد الأقصى عقب صلاة الجمعة وامتدت إلى المواقع المأهولة التابعة لها عام 1929م كهبة عفوية؛ إزاء ما تعرض له حائط البراق من اعتداءات على يد المستوطنين تحت سمع وبصر البوليس البريطاني، وكان أعنفها في مدينتي صفد شمالاً والخليل جنوباً، بينما شلَّ الإضراب الشامل الحياة العامة في جميع أنحاء فلسطين يوم 16/10/1929م احتجاجاً على سياسية الانتداب المنحازة إزاء التعديات التي حصلت على البراق وما واكبها من مواجهات.
وعلل المندوب السامي البريطاني هبة البراق بتعطش العرب للدماء؛ إلا أن حملة الاحتجاج الشعبية قد حملته على الاعتذار، وعارضوا فكرة التقسيم والتقاسم مع الحركة الصهيونية عام 1937م، وقد تنادت المجموعات المسلحة من القرى المجاورة ملبية نداءات الاستغاثة التي وجهتها مدينة القدس لمواجهة العصابات الصهيونية خلال حرب عام 1948م.
2)
وقد حاولت سلطات الانتداب والحركة الصهيونية التأثير على الإجماع العفوي ووحدته الوطنية الراسخة بضرب النسيج الاجتماعي بإثارة الفتن والقلاقل بين المسلمين والمسحيين والتكوينات الاجتماعية، وهو ما أفشله قوة الانتماء الوعي بتقديم الوعود تلو الوعود المعهودة لديه منذ احتلالها للبلاد، ومشاريع الحل والتسوية مع الحركة الصهيونية وبث الإشاعات؛ للتأثير على الروح المتأججة بين صفوفه، ومنها على سبيل المثال التسريبات التي بثتها فيما يتعلق بتقسيم فلسطين عام 1937م والقاضية بتقسيمها إلى قسمين بين اليهود والعرب وإلحاق القسم العربي بشرق الأردن في مملكة عربية مستقلة وتنصيب الأمير عبد الله ملكاً عليها؛ مستغلةً في ذلك زيارة الأمير عبد الله إلى لندن، وهو ما نشرته جريدة مرآة الشرق في افتتاحيتها تحت عنوان “حديث اليوم”؛ مما أدى إلى انقسام الرأي بين مؤيد ومعارض.
وحاول الانتداب حرف الاستنفار والاجماع الشعبي عن أهدافه؛ نظراً لما يتمتع به من زخم كبير وقوة قادرة على مواجهة سياستها الاستعمارية، فأثارت الخلافات بين حزب آل النشاشيبي من جهة وحزب آل الحسيني من جهة أخرى، وامتد هذا التقسيم إلى المواقع الأخرى، فبعد أن توحد الحزبان المتنافسان في قيادة الثورة الفلسطينية الكبرى، سرعان ما أعلن حزب الدفاع بزعامة راغب النشاشيبي انفصاله عن اللجنة العربية العليا القائدة للثورة برئاسة الحاج أمين الحسيني، وهو ما أُعلِن عنه في الصحف الفلسطينية في 3/7/1937م.
وعملت حكومة الانتداب كل ما في وسعها للتأثير على البنية الاقتصادية، مما أدى الى ازدياد نسب البطالة في المجتمع الفلسطيني، ورفع مستوى المديونية وتسريب الأراضي للحركة الصهيونية ، وتعميق مجرى سيل الهجرة الصهيونية من الخارج ورفع نسبتهم إلى الثلث مقابل العرب ومنحهم الجنسية الفلسطينية، وربما فاق ذلك مع ضغط الولايات المتحدة برئاسة ترومان لتهجير(100) ألف مستوطن إلى فلسطين، وهضم حقوق (50) ألف فلسطيني يقيم خارج فلسطين بحجة مخالفتهم لقانون الجنسية الفلسطينية، وتدفق الأموال الصهيونية من وراء البحار، وفي مقدمتها تبرعات إمبراطورية روتشيلد المالية التي قدمت للحركة الصهيونية عام 1914م (21) مليون فرنك أثناء زيارة ادموند دي روتشيلد إلى فلسطين.
ولهذا تساءلت جريدة مرآة الشرق في افتتاحيتها في 31/8/1938م حول هدف” سياسية الإفقار… فهل هذه السياسة التي ترمي إليها الحكومة يا ترى؟ ترمي الحكومة إلى إفقار الأمة حتى لا يبقى فيها رجل واقف على رجليه؟ نحن نعلم أن الاستعمار في كل زمان ومكان يرمي إلى هذه السياسة حيثما يحل الاستعمار يحل الفقر”، كما انتقد التيار الشعبي سيطرة الموظفين البريطانيين والصهاينة على الوظائف الحكومية في المدينة البعيدة عن الاعتبارات العسكرية والأمنية كدائرة الأشغال العامة، والحساسة منها وفي مقدمتها الطابو ، وتحريك الموظفين العرب كما يحلوا لهم ، وهو ما جعل الفلسطيني يشعر بالغربة في وطنه.
وقد أدرك الإجماع الشعبي الفلسطيني سياسة” فرق تَسُد” التي يقوم بها الانتداب للتأثير عليه وحرفه عن جادة الصواب، وغالباً ما نجح في إفشال المخططات الاستعمارية؛ بل مارس ضغطه الشعبي على القيادة المركزية في مدينة القدس والزعامات المحلية المتنافسة إلى توحيد صفوفها؛ لما له من أثر كبير على مسيرتها في مقاومة الانتداب والحركة الصهيونية، ومن الشواهد الدالة على ذلك معالم الوحدة التي جُسِّدت في ثورةعام 1936م والتي اختفت فيها مظاهر الخلاف بين تيار النشاشيبي والحسيني، وهو ما أحال حياة المستوطنين إلى جحيم ولم يتمكنوا من التنقل في وسائط النقل إلا بحماية الجيش والبوليس البريطاني، ولم يخش التيار على نفسه من الاعتقالات والمنافي.
وفي ضوء تماسكه الشعبي وإصراره على الصمود والنضال في سبيل نيل الحرية والاستقلال، فقد سعت الحركة الصهيونية على مواجهته بشتى الطرق والوسائل كالإغراء بالمال واستغلال حاجاته الملحة وتشويه صورته المشرقة وإظهاره متناقضاً مع نفسه بين الانتماء والتفريط، وإرهاقه اقتصادياً من خلال تكريس البطالة عبر الهيمنة على الاقتصاد وقطع خطوط الاتصال والتواصل مع الاقتصاد العربي المجاور وفرض الرسوم الجمركية الباهظة، وإغراقه بسيل الهجرة التي كرست المنافسة والبطالة في سوق العمل، وشق الصف وإثارة الإشاعات وزرع المتفجرات في أماكن تجمعاته لإيقاع أكبر قدر من القتلى والجرحى، وارتكاب المجازر لحمله على الرحيل، وارتكاب الأعمال الاستفزازية التي تدفع به للرد على تصرفاتها الهوجائية ما يظهره لدى حكومة الانتداب والهيئات الدولية بأنه شعب غوغائي لا يلتزم بعهد ولا ميثاق، ولم تتوانَ عن اتباع أساليب التزوير والاحتيال.
ولم يعكر صفو الاستنفار والاجماع الشعبي سوى الخارجين على هذا الإجماع، ممن رهن نفسه للجشع المادي من السماسرة والمتعاونين مع حكومة الانتداب والحركة الصهيونية؛ عندما سهَّلُوا لها نقل الأراضي وتعقب عناصر المقاومة المسلحة ونقل الأخبار إلى رجال التحري أو المخابرات البريطانية
ومما لا شك فيه أن ازدياد مساحات الأراضي التي نُقِلَت للحركة الصهيونية على يد الإقطاعيين والفلاحين الفلسطينيين والرأسمالية الوافدة من الأقطار العربية ومن بينهم آل سرسق، وتويني، وميقاتي، والصلح وسلام اللبنانيين، والعابد، والعمري والجزائري السوريين، والتيان والكسار المصريين، تعكس إلى حدٍّ كبير وجود خلخلة واضحة في بنية الإجماع الشعبي المحلي سواء تم نقل هذه الملكيات للمشروع الصهيوني بطرقة مباشرة أو غير مباشرة، وسوء الأحوال الاقتصادية التي ألمت بفلسطين منذ عام 1929م؛ نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية التي انتابت العالم وانطلقت شرارتها الأولى من لندن، ثم أليس من حقنا أن نتساءل كيف تم شراء مشاع عتيل البالغ نحو (6000) دونم ومشاع زيتا من قبل بعد أن اشتراها المجلس الإسلامي الأعلى ورصدها على مصالح المسجد الأقصى.
ومن الجدير بالذكر أن الأحداث التي كانت تحصل في مدينة القدس كانت تجد لها أصداء قوية في الأوساط الشعبية الفلسطينية داخل المواقع المأهولة المدنية والريفية والبدوية، ومَنْ يقلب صفحات الصحف الفلسطينية عامة والمقدسية خاصة يلحظ ردود الأفعال القوية إزاء ما كان يجري في مدينة القدس من تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفي مقدمتها أخبار السياسة البريطانية المنحازة للحركة الصهيونية، ومن بينها المسيرات والمواجهات العارمة التي انطلقت من رحاب المسجد الأقصى عقب صلاة الجمعة وامتدت إلى المواقع المأهولة التابعة لها عام 1929م كهبة شعبية عفوية؛ إزاء ما تعرض له حائط البراق من اعتداءات على يد المستوطنين تحت سمع وبصر البوليس البريطاني، وكان أعنفها في مدينتي صفد شمالاً والخليل جنوباً، بينما شلَّ الإضراب الشامل الحياة العامة في جميع أنحاء فلسطين يوم 16/10/1929م احتجاجاً على سياسية الانتداب المنحازة إزاء التعديات التي حصلت على البراق وما واكبها من مواجهات.
وعلل المندوب السامي البريطاني هبة البراق بتعطش العرب للدماء؛ إلا أن حملة الاحتجاج الشعبية قد حملته على الاعتذار، وعارضوا فكرة التقسيم والتقاسم مع الحركة الصهيونية عام 1937م، وقد تنادت المجموعات المسلحة من القرى المجاورة ملبية نداءات الاستغاثة التي وجهتها مدينة القدس لمواجهة العصابات الصهيونية خلال حرب عام 1948م.
وغالباً ما أدت وسائل الاتصالات والمواصلات دوراً مهماً في تحريك هبات الإجماع الشعبي لنصرة فلسطين وعاصمتها مدينة القدس؛ وذلك نتيجة للتطور الكبير الذي حصل في شقِّ وتعبيدِ الطرق ومد السكك الحديدية وتسيير الوسائط الحديثة عليها، واستخدام التلغراف منذ عام 1863م والتلفون عام 1910م في إيصال المعلومات وتناقل الإشاعات، ففي عام1937م بلغ عدد خطوط التلفون العامة في فلسطين (15494) ليرتفع في السنة التالية إلى (2033) خطاً أي ما يوازي (13.1%) من إجمالي الأجهزة، وكانت مدينة القدس رائدة المواقع الفلسطينية في مدها؛ مما استدعى تهيئة دائرة البريد في المدينة عام 1935م للوفاء بازدياد الطلب عليها.
وتعزز تناقل الأخبار وتداولها بعد افتتاح الإذاعة الفلسطينية التي باتت إحدى الدوائر السريعة في تشكيل الرأي العام لدى الإجماع الشعبي، وذلك في ضوء ما يصدر عن الحكومة المنحازة من بيانات وبلاغات وإخبار، وإنْ كانت هذه التحولات سيفاً ذا حدين، حيث عملت هذه التحولات على إيصال أخبار الإجماع الشعبي عبر العيون والمتعاونين مع سلطات الانتداب وتسهيل طلب النجدات ووصول الآليات والتعزيزات العسكرية البريطانية والعصابات الصهيونية عام 1947/1948م، إضافة إلى تشديد الرقابة على الصحافة والنشطاء من خلال قوانين الطوارئ التي تصدرها الحكومة من حين لآخر، ولهذا نصحت جريدة فلسطين الحكومة البريطانية بضرورة التخلي عن سياسة القوة؛ لأن قضية فلسطين لا تحل بالقوة والسياسة المنحازة.
Comments