top of page

الوعري.. اشتغال معرفي للتنبيه بالأخطار التي تحدق بالقدس

حاورتها: سميرة عوض – أن تقفَ جهدَك التوثيقي لمدينة شهدت مولدك، فهذه رسالة، فكيف إذا كانت هذه المدينة هي «القدس».. هذا ما كرست ابنة القدس د.نائلة فايز الوعري حياتها لأجله، فصدر لها في هذا السياق: «دور القنصليات الأجنبية في هجرة وترسيخ الاستيطان في فلسطين 1840-1914» (دار الشروق، عمّان، 2006)، و«موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين من المشروع الصهيوني 1856-1914» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2012)، ولها مؤلفات عدة بالإنجليزية. كما أنها أنجزت سلسة من الدراسات والأبحاث المحكمة، ومنها «حارة المغاربة وقف إسلامي: القرن الثاني عشر الهجري»، و«بدايات النضال العربي الفلسطيني 1920-1939» (جامعة دمشق، 2007)، و«القدس تحت الاحتلال البريطاني 1917-1922» (جامعة دمشق، 2009). كما لها مؤلفات تحت الطبع، منها معجم حول فلسطين في عيون الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين بين القرنين الثالث الهجري والرابع الهجري». تالياً حوار مع الوعري حول اشتغالها ضمن هذا المحور:

• يعدّ المكان الذي يشهد الإطلالة الأولى على الحياة نبعاً للذكراة، وأنت مقدسية المولد، وقد هُجّرت منها برفقة الأهل وأنت في الثالثة عشرة من عمرك.. حدثينا عن القدس كما ترتسم في مخيالك؟ – في القدس، وعلى بعد أمتار من المسجد الأقصى، وُلدت في حوش البسطامي بحارة السعدية، أحد أحياء القدس القديمة.. وعلى أرضها عشت طفولتي وقسطاً من يفاعتي. كنت لم أتجاوز بعد الثالثة عشرة من العمر عندما انهارت الأحلام ودوت في مسامع الكون نكسة حزيران 1967، واتشحت القدس درة العواصم وقبلة الدنيا بأثواب الحداد على ما حل بتاريخها وأرضها وبيوتها وأبنائها الذين اضطروا إلى النزوح تحت وطأة التهجير، وفي ظنهم أن المشوار الثاني من مراحل التهجير لن يطول، وإنْ هي إلا غيبة قصيرة ويعود الحنين فيزهر آمالاً ورجاءاتٍ وسنونواتٍ تعطر فضاء فلسطين، لكن الغياب صار مزمناً، وأصبحت القدس أكثر نأياً من أي وقت مضى.

• بماذا تغذّين حنينك لسيدة المدائن؟ وكيف تعبرين عن فيوض عشقك لها ومشاعر تعلّقك بها؟ – ظللت لسنوات طوال أحلم بها.. وظل الحنين إلى فلسطين الوطن والقدس مسقط الرأس يلازمني وشوقي لها يزداد يوماً بعد يوم، وأمَلي بالتحرر والجلاء بات شعاراً مهترئاً.. فهناك احتلال وشعب آخر مزروع في الوطن الجريح ممتد على امتداد الخريطة الزمانية والمكانية وكأن التاريخ ظل مختبئاً وراء المجهول، والوطن يئن، والزمن هو الشاهد الوحيد عليه.. هناك مدن لها أزقة وأحواش تضيق بها الأنفاس وتصعب الحياة فيها، لكنك تحبها وتعشقها، فتعيش وتموت فوق أرضها لأنها الوطن.. وهناك مدن تولد فيها وتكبر، وتحلم بالحرية، لكنك تغادرها قسراً وظلماً، فتتولد في قلبك وضميرك حسرة ما بعدها حسرة، وتظل تحلم بيوم العودة إليها أو حتى العيش في مدينة تشبهها.

• تنشطين ضمن عنوان كبير هو «القدس».. من هنا ربما جاءت فكرة جمعية «نساء من أجل القدس» في البحرين، ثم في لبنان وفي تونس.. إلخ. كيف وُلدت الفكرة، وما دورك فيها؟ – نشأت فكرة تجمع «نساء من أجل القدس» عندما فكرت بربط المرأة العربية والفلسطينية والمسلمة بواجب المشاركة في الدفاع ودعم المدينة والحفاظ على هويتها العربية والإسلامية بوصفها المدينة التي تحتضن التراث العربي والإسلامي والمسيحي، وتعميق المعرفة بالهوية التاريخية لمدينة القدس ودعم صمودها علمياً وثقافياً ومادياً، فجاء تأسيس جمعية «نساء من أجل القدس» البحرينية في حزيران 2003 وهي تخضع لإشراف وزارة التنمية الاجتماعية وتدعمها النساء البحرينيات والمقيمات على أرض البحرين. ثم نقلت فكرتي للعواصم العربية التي بادرت النساء فيها بتأسيس جمعيات تحمل الاسم نفسه وتمارس النشاط نفسه.

• ماذا عن تجربة نشأتك في البحرين، وهل من فكرة كتابية تربطين بها مكانك الأول بمكان إقامتك؟ – في المنامة، هذه الجزيرة المتربعة فوق مياه الخليج والتي ترتبط مع جزر أخرى صغيرة تكون 33 جزيرة تشكل مملكة البحرين، عشت وترعرعت وأكملت دراستي العلمية في مدارسها، وأصبحت جزءاً من نسيج ذلك المجتمع العربي، فكانت المدينة لي ولأسرتي حضناً دافئاً. عشنا -وما زلنا- «مواطنين» في المجتمع الذي نفتخر به ويفتخر بنا.. وقد بدأت بكتابة سيرتي الحياتية التي تتناول 13 سنة عشتها في القدس، ثم بقية عمري في البحرين، بالربط بينهما في سرد واقعي يبدأ من حارة السعدية في القدس حيث وُلدت إلى أن رحلت إلى حي القضيبية في المنامة بعد حرب 1967، حيث ما أزال أعيش.. تحدثت عن الحنين والاشتياق وتجربة الغربة والمعاناة وبداخلي طفلة صغيرة استيقظت من إغفاءتها لتجد نفسها خارج الوطن..

• شاركت في مؤتمرات وقدمت أبحاثاً مهمة عن مدينة القدس، آخرها ضمن الندوة السنوية لمنتدى الفكر العربي التي عُقدت في عمّان تحت عنوان «القدس في الضمير».. كما تثابرين على توثيق تاريخ القدس.. كيف ترين جدوى الندوات والإصدارات على هذا الصعيد؟ – لقد شاركت في مؤتمرات عن القدس في بعض العواصم العربية، ونظمت بعضها، مسكونة بهاجس هذه المدينة المأسورة، أجد واجباً قومياً وعربياً وإسلامياً علينا للتعريف بتاريخها الحضاري، والتنبيه للخطر المحدق بها، وما آلت إليه من التفاف تهويدي، وحصار خانق هدفه طرد سكانها ومصادرة أملاكهم استعداداً لتهويدها بالكامل. قد يجد بعضهم أنه لا جدوى من هذه الفعاليات عن القدس.. ولكن؛ هل نستسلم، ونسلّم بالأمر الواقع، ونضحّي بأهلنا في القدس؟! إن الباحثين الذين يتقدمون بأبحاث عما يجري في القدس، ويسلطون الضوء على المخاطر التي تتعرض لها، إنما يفتحون أعيننا وأعين العرب والمسلمين ويدعوننا للتحرك كي نعالج القضايا المطروحة. إن التوصيات التي تتمخض عن هذه المؤتمرات ذات جدوى معرفية على الأقل، وما توليه الرعاية الهاشمية لمدينة القدس من إعادة إعمار وترميم هي مثال على الاستجابة لمتطلبات المدينة.. ربما لن يكون تحركنا لدعم المدينة بالسرعة التي تمضي فيها «إسرائيل» بتهويدها، ولكن لا بد من دق ناقوس الخطر.

• منذ الرحيل برفقة العائلة عن القدس في حرب 1967، والشأن الثقافي والتاريخي يشغلك.. ماذا عن تحصيلك العلمي؟ – رغم أنني مضيتُ في مسيرة علمية طويلة، إلا أنني ما زلت زلت طالبة في مجال البحث التاريخي في المسألة الشرقية. وقد شدّتني كثيراً فترة الحكم العثماني لبلاد الشام، وتخصصت بها. وأنا مجازة في علَمين من العلوم الإنسانية، إذ حصلت على شهادة الليسانس في الآداب/ قسم الوثائق والمكتبات من جامعة القاهرة (1978)، ثم شهادة الليسانس التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة بيروت العربية (2002)، ثم شهادة دبلوم الدراسات العليا من قسم التاريخ بالجامعة نفسها (2004)، ثم شهادة الماجستير في التخصص نفسه من الجامعة نفسها (2006)، فشهادة دكتوراة الدولة.. في تلك المراحل أنجزت مؤلفين في التاريخ الحديث؛ الأول هو رسالة الماجستير، والثاني رسالة الدكتوراه. وهما منشوران، ويتحدثان عن المشروع الصهيوني والتغلغل والتجذر ومن ثم هجرة اليهود إلى فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى قيام الحرب العالمية الأولى.

• كتب جهاد الخازن في زاويته الشهيرة «عيون وآذان» في صحيفة «الحياة» اللندنية (8/5/2013) مقالة بعنوان «كتابان للقراءة الإلزامية» أقتطف منها: «لو اخترت أهم عشرة كتب عن القضية الفلسطينية، موضوعاً وتوثيقاً، لكان بينها كتابا بنت القدس د.نائلة الوعري (دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين) و(موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين في فلسطين من المشروع الصهيوني).. لا أستطيع ان أنصف الكاتبة والكتابين في عجالة صحافية، وأعترف بأنني لم أكن أعرف عن الوعري سوى اسمها وأنها تحمل جنسية البحرين إضافة إلى هويتها الفلسطينية، وأزيد اليوم أنها باحثة من القدس تقيم الآن في البحرين، وكتابها عن موقف الولاة والعلماء والأعيان والإقطاعيين أساسه رسالة دكتوراه أشرف عليها البروفسور حسّان حلاق». السؤال هنا: ما رأيك بما قاله الخازن، وإلى أي مدى أنصف جهودك؟ – أتقدم بالشكر للكاتب جهاد الخازن لأنه عَدّ كتابَيّ من أهم ما قرأ أو اختار للتحدث عنهما في «الحياة» اللندنية.. وقد هاله كمية الوثائق والمعلومات التي وثقت المادة العلمية. ومَن ينصف الباحث هو الذي يقرأ هذين المؤلفبن ويطّلع على الكم الضخم من الوثائق والمخطوطات ودفاتر الطابو في إضاءة جديدة على فترة زمنية مسكوت عنها في بيع الأراضي والملكيات في فلسطين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

• أين وصلت رحلة معجم «فلسطين في عيون الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين».. ومتى سيرى النور؟ – لقد أنجزت هذا المعجم قبل سنوات عدة.. وللأسف تعثرت طباعته لكبر حجمه وكلفته.. يستعرض المعجم النصوص المهمة التي دونها الرحالة والجغرافيون العرب عن فلسطين وخصوصاً بيت المقدس، وقد بلغ عدد الصفحات التي غطت ما دوّنه الرحالة عن القدس 350 صفحة من أصل 1700 صفحة. لقد كانت الأرض المقدسة موضع اهتمام العلماء، وبرز نوع من الأدب الإسلامي يدعو لزيارة القدس والتبرك بمقدساتها. ولأهمية هذا الموضوع كان لزاماً علي أن أسعى بكل جهدي لطباعته على حسابي الخاص، وسوف يصدر هذا المعجم قريباً عن دار ورد الأردنية في جزأين.

Comments


bottom of page