د.نائلة الوعري / باحثة ومؤرخة
حينما نرصد ما خسره الفلسطيني طوال سبعين عاما نجد أنه أيضا لم يحدث في تاريخ الإنسانية أن يسرق وطن ويقتلع مواطن من أرضه وبيته وكرمه ويُستولى على مقدراته ويغتال بدم بارد في مجازر وحشيه يندى لها الجبين كما حصل في مذبحة دير ياسين في ابريل 1948 ومذبحة اللد في يوليو 1948 وغيرها من معارك التطهير العرقي الذي ارتكبها جيش الهاغاناة الذي كان نواة لجيش الاحتلال الصهيوني الذي جعل الشعب الفلسطيني وتحت أخبار فظاعاته في القتل الجماعي يتركون بيوتهم وأراضيهم في نزوح كبير داخل حدود الوطن وخارجه .هذا الحدث الجلل والنزوح سمي النكبة ( أو ما سمي التطهير العرقي والذي اعترف به عدد من المؤرخين الأجانب واليهود مثل “آلان بابيه “الذي كتب كتاب سماه (التطهير العرقي ) Ethnic Cleansing” “ وتمت ترجمته للعربية ، فقد تم تهجير 85%من الفلسطينيين من ارض فلسطين التي أصبحت تسمى “إسرائيل “وقد أثارت مسألة قيام السلطات اليهودية بطرد الفلسطينيين وفق خطة مسبقة جدلا حادا بين المنظرين والمؤرخين لهذا الصراع العربي الصهيوني ، إذ تبين فيما بعد أن السلطات الصهيونية أصدرت أوامر عسكرية مدروسة لطرد الفلسطينيين بموجب خطة للتطهير العرقي . وأن بعض عمليات الطرد كان مخططا له ، وان هناك شخصيات صهيونية متعددة حتى قبل اندلاع القتال في 1948وضعوا تعبير ( ترحيل ) للتخفيف من تعبير طرد الفلسطينيين خارج البلد ومن هذه الشخصيات”يوسف فايتس” وهو صهيوني روسي وعمل منذ سنة 1946 على فكرة ترحيل الفلسطينيين قبل الاحتلال ووضع أفكار لذلك منها انه “لا يوجد مكان لشعبين فوق هذه الأرض ” وعندما اندلعت الحرب 1948 اعتقد فايتس أنها الفرصة الذهبية لترويع الفلسطينيين وجعلهم يفرون من أرضهم وبيوتهم ومن ثم تصادر أملاكهم . إن خسارة اللاجئين أملاكهم جسدت تحديدا الكارثة السياسية والاجتماعية والديمغرافية الهائلة التي حلت بالفلسطينيين ،اذ تعد خسارة الأراضي الزراعية خسارة مدمرة .فقد بلغ مجموع من رحل من فلسطين في العام 1948 بعد أن طردتهم القوات الصهيونية من بيوتهم وقراهم 726 ألف عربي فلسطيني ويعادل هذا الرقم في حينه نصف عدد سكان فلسطين .
ولما كان سكان فلسطين ميسوري الحال فقد خلفوا وراءهم منازل فخمة وأثاث ثمين وسلع استهلاكية وحوانيت ومصانع وغيرها من الأملاك التجارية غير الأرصدة المالية المودعة في صناديق في البنوك كذلك ترك آخرون بساتين حمضيات واسعة مشجرة ومجهزة بأنابيب مياه . إذ كان الأغلب عندما ترك يعتقد أن الرحيل ليس سوى ابتعاد مؤقت عن منطقة الحرب بعد تعرض السكان لهجمات الهاغاناة وهي المليشيا الرسمية للحركة الصهيونية والتي تدربت على يد الجيش البريطاني وشاركت معه في قمع الشعب الفلسطيني في هبة البراق وثورة 1936 .
كذلك أدت الحرب إلى نزوح 30 ألف عربي لبناني وسوري وعراقي كأنة يسكنون في فلسطين مخلفين وراءهم كثيراً من الأموال المنقولة وغير المنقولة ، التي لم تحدد آي مستندات أو أي و ثائق تدل على قيمتها
.وقبل أن ينتهي الانتداب بدأ تنفيذ الخطة وفي 15/5/1948 احتل الصهاينة 200 قرية فلسطينية وطردوا أهلها الذي بلغ عددهم نصف لاجئي النكبة ولم تسمح القوات الصهيونية بالعودة للاجئين وسرعان ما صادرت أملاكهم وقبل أن تندلع الحرب وقبل أن يدخل جندي نظامي عربي ينقذ الفلسطينيين وبدأ القتال الشامل الذي اندلع بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي في أواسط أيار /مايو 1948 واستمر حتى توقيع الهدنة سن 1949 نزح ما مجموعة 750 ألف إلى لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية وغزة ومصر والعراق وقد كان نزوح سكان المدن الفلسطينيين من الطبقتين الثرية والوسطى نزوحا داخليا . فأقاموا مع أقرباء لهم ، أو استأجروا بيوت جديدة أما الفقراء فاستقر بهم المقام في مخيمات للاجئين في الضفة وغزة وفي الدول العربية القريبة ، لبنان وسوريا والأردن والعراق
تمت السيطرة على أغلبية بيوت الفلسطينيين وأراضيهم الزراعية بشكل ارتجالي وغير منسق خلال ربيع 1948، وفي بعض الحالات كانت القرارات الخاصة بزراعة أراضي اللاجئين واحتلال بيوتهم تتخذ من جانب مسئولين في الوكالة اليهودية والمركز الزراعي التابع للهستدروت والجيش وأفراد يهود وأما هذه التركة الكبيرة من الأراضي والأملاك التي خلفها النازحون جعل المسئولين الصهاينة في مرحلة ما قبل قيام الدولة على إنشاء سلسلة من الهيئات للسيطرة الرسمية على أراضي اللاجئين التي كانت تعرف باسم أراض متروكة بالعبرية (أداموت نيتوشوت ) وكانت تحت سلطة الهاغاناة التي كانت تشكل الجيش الصهيوني الذي يحتل الأرض وفي أواخر نيسان 1948 أنشأت الهاغاناة لجنة الأملاك العربية في القرى وسرعان ما أصبحت هذه اللجنة دائرة الشؤون العربية التابعة للهاغاناة وكذلك شكلت لجنتان عسكريتان للتعامل مع الأملاك المتروكة التي تمت السيطرة عليها ، الأولى أنشأها بن غوريون بعد سقوط حيفا وطبرية وصفد ، وفي أيار استحدثت وزارة الدفاع بالحكومة المؤقتة (منصب ) المشرف على الأملاك المتروكة في يافا .
وقد أدار الجيش الصهيوني (الهاغاناة )الأملاك الفلسطينية بعد خروج اللاجئين وتم بعد ذلك محاولات تنظيم إسكان اليهود المهاجرين في بيوت الفلسطينيين التي تم السيطرة عليها واصدر بن غورين رئيس الوكالة اليهودية ورئيس الحكومة لاحقا أوامر إلى الهاغاناه بالشروع في إسكان اليهود ففي المناطق الفلسطينية التي تم احتلالها غربي القدس في وقت مبكر من شباط 1948 وقد قرر بن غوريون بهذه الخطوة نقل الأملاك الفلسطينية في المدن أيضا يافا وحيفا وصفد وبصفة دائمة إلى أيدي العائلات اليهودية وقال إن هذه البيوت والعقارات الآن تعود ملكيتها للحكومة وكان يتحدث عن يافا في ذلك الوقت , وإن يافا ستكون مدينة يهودية (فالحرب هي الحرب ) .
وقد تم تقسيم الأملاك العربية في حيفا إلى ثلاث فئات أملاك الفلسطينيين الذين بقوا في المدينة ، أملاك العرب غير الفلسطينيين أما أملاك النازحين عن بيوتهم وهي الفئة الثالثة فاستولت عليها الدولة بصفتها أملاك (عدو )
وفي وثيقة مهمة عن كيفية إدارة الأملاك الفلسطينية في الأيام الأولى بعد خروج اللاجئين مؤرخة في حزيران /يونيو 1948 تسلط الضوء على اجتماع عُقد بين مسئول من القنصلية الأمريكية في حيفا وبين المشرف على الأملاك العربية في اللواء الشمالي (نفتالي ليفشتس) الذي يعتبر احد المحامين البارزين في حيفا ، وكان القنصل الأمريكي (اوبري ليبينكون ) قد تلقى رسالة من السيدة ايفلين جبارة أمريكية من أصل فلسطيني نزحت هي وعائلتها إلى لبنان تستفسر عن بيت عائلتها واثاثه وبعض المقتنيات الثمينة ،بعد ان تركت بيتها من جراء اعتداءات الجيش الصهيوني عليهم وترهيبهم وارتكاب مجازر . واخبره ليفشتس بان ليس هناك نية او تفكير في عودة اللاجئين او حتى تعويضهم لان الوقت لا زال مبكر لإحصاء أملاك الغائبين وان البيوت الفارغة تم توزيعها على عائلات يهودية مهاجرة
.
من هنا نرى أن هذه النكبة التي مضى عليها سبعين عاماً شردت ثلثي الشعب الفلسطيني من ديارهم وصادرت أراضيهم وأموالهم وأبقتهم حتى يومنا هذا في المنافي .وهذا ما يسمى في القانون الدولي التنظيف العرقي أو التطهير العرقي بكل الوسائل الطرد والإبادة .
Comentários