تقع الزاوية الهندية في مدينة القدس داخل السور جنوب باب الساهرة وقالوا انها في الزمانات كانت مقر للفقراء والدراويش وقد ذكر الامام “الحنبلي ” أن الرفاعية سكنت بها فترة من الوقت وترجح عودة البناء إلى الفترة المملوكية، وقد خصصت في البدء إلى فقراء الطريقة الصوفية الرفاعية المنسوبة إلى أحمد الرفاعي المنحدر من القبيلة العربية (بنو رفاعة)، ولما انتشرت طريقته انتشاراً واسعاً في غرب أسيا، أصبحت هذه الزاوية مأوى للحجاج القادمين من شتى أرجاء بلاد الهند الواسعة وأواسط آسيا، سيما الذين اعتادوا شد الرحال والزيارة والمجاورة في القدس.
لاحقا أطلق عليها الزاوية الهندية أو الفريدية، نسبة للصوفي الهندي بابا فريد شكركنج، وتشير القصص ان الدرويش الهندي المسلم “حضرة فريد الدين غاني شاكار جاء في بداية القرن العاشر الهجري للمجاورة والاقامة على خدمة المسجد الاقصى تقربا .
وقد قضى أيامه في مسح الأرضيات الحجرية التي تحيط بالمسجد الأقصى، وكان يصوم داخل كهف قابع داخل جدران المدينة، واعتكف اربعين يوماً في غرفة حجرية تحت الأرض بجوار مسجد قرب باب الساهرة، ومنذ ذلك الحين أصبحت غرفته مزارًا للحجيج الهنود في طريق ذهابهم أو عودتهم من أداء فريضة الحج .ولا يعلم أحد طبيعة الفترة التي قضاها بابا فريد في المدينة. لكن بعد فترة طويلة من عودته إلى إقليم البنجاب، أصبح شيخا للطريقة الصوفية الجشتية،
تعد الزاوية الهندية رمزا تفد إليه الطائفة الهندية عند زيارتها القدس قبل الذهاب للحج أو بعده- منذ 700 عام حيث أنشأها الولي الشيخ “بابا فريد شكركنج”
وظلت هذه الزاوية على مدى قرون تستقبل الهنود القادمين للحج ويقيموا بها ويتبرعوا من اجل توسعة المكان واشتروا عقارات مجاورة للغرفة الصوفية، لتصل مساحتها مجتمعة لسبعة دونمات داخل حدود الحي الإسلامي في البلدة القديمة، جهة باب الساهرة واكتسبت الزاوية الهندية أهميتها نظرًا لكونها مقرًا يتوافد عليه الحجاج والمسافرين والسفراء والوزراء الهنود على امتداد قرون طويلة، وسجلت الزاوية كوقف اسلامي هندي وفي سنة 1939 بدأت الحرب العالمية الثانية، ودخل الفيلق الرابع من الجيش الهندي الحرب تحت رعاية بريطانيا، مما أدى إلى تحول الزاوية إلى معسكر ترفيهي للجيش الهندي حتى انتهاء الحرب، وفي هذه الأثناء أعطي للشيخ نظير رتبة عسكرية نظرا لإشرافه على المعسكر.هذا عدا عن إنشائه عمارتين في الزاوية
وأصبحت المضيفة معسكرا للفرقة الرابعة مشاة التابعة للجيش الهندي، التي غادر جنودها الزاوية بعد حرب 1948 ودأب الشيخ نظير خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على الذهاب إلى الهند ساعيا إلى إقناع الأمراء المسلمين هناك من أجل التبرع لإعادة بناء المضيفة. وكان من بين من أسهموا بأموالهم رجل يدعى نظيم من حيدر أباد، ظهر على غلاف مجلة “تايم” عام 1937 كأغنى رجل في العالم.
وخلال فترة الحكم العثماني كانت الزاوية تخضع لإشراف الأتراك، وحين جاء الانتداب البريطاني سعى (الشيخ ناظرأونظير )إلى جمع التبرعات خلال لقائه نواب ووزراء الهند من اجل إنشاء أجنحة إضافية للزاوية الهندية
وقد تزوج الشيخ نظير بسيدة فلسطينية تدعى مسرّة، وأنجبت له محمد منير في عام 1928.وبعد وفاة الشيخ نظير في العام 1951 تولى ابنه الشيخ منير الانصاري رعاية الزاوية و سار الشيخ منير على نهج والده وانجب الشيخ منير ولدان ناظر ونظير وثلاث بنات ،وقد قال الشيخ منير عن الزاوية في احدى المقابلات الصحفية “جميع النزلاء من الهنود. أشعر كأنني في الهند. فدخول المضيفة، أشبه بالدخول إلى الهند. كان الناس يأتون في ذلك الوقت على متن السفن. واعتادوا أن يحضروا معهم احتياجاتهم من الغذاء والأرز وحتى الملح. كل شيء من الهند. فعندما تدخل البوابة، تشم رائحة الطعام الهندي، وهم يغسلون ملابسهم ويعلقونها هنا في الفناء.” وكانك في الهند
بعد استقرار المنطقة فترة ما بعد الحرب، وخضوع القدس للإدارة الأردنية، بدأ الزوار التوافد إلى الزاوية، وكانت تعج بالوافدين الهنود، ولكن في السابع من حزيران عام 1967، أحتل الجيش الإسرائيلي البلدة القديمة، وسقطت 25 قذيفة وتدمّر قسم كبير من الزاوية الهندية كان الشيخ منير يهرع بأسرته من غرفة إلى غرفة. ووقعت قذائف على مقربة من ضريح بابا فريد، (قام السفير الهندي بترميمه عام 1991)، كما انهار سقف المضيفة وأصيب الشيخ منير في ذلك الوقت في يده ووجهه بشدة، واستطاع إخراج الناجين من تحت الأنقاض، وتوفيت والدته وشقيقته وابن شقيقته البالغ من العمر وقتها عامين.
الزاوية الهندية كانت تمثل موقف الحكومة الهندية دائما وتؤمن بالسلام العالمي ومذهب “المهاتما غاندي” اللاعنف القائم على العدالة، فلطالما ساندت الهند مسيرة النضال الوطني الفلسطيني خلال الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936وتصدرت صحفهم الهندية عبارات “عطف الهند العظيم على فلسطين” وقد امتدح زعيم الهند جواهر لال نهرو في مدينة بمباي في 22/8/1937 امام الصجفيين نضال الشعب الفلسطيني وثورته حين قال .. “الثورة أمجد صفحة لامعة في تاريخ النهضة الاسلامية في القرن العشرين وأن الهنود يشعرون مع أهل فلسطين في جهادهم هذا ,, وقد علمنا التاريخ أن فلسطين بنيت على انقاض الالوف من المجاهدين الذين هدروا دماءهم فداء له . وكان الارتباط الديني للهنود الزائرين للقدس وللزاوية الهندية الذين يحملون لها الدعم والهدايا يظهر في حرصهم على على شراء عقارات قريبة من الزواية الهندية وتوسيعها وتدشينها كوقف اسلامي للهنود وتوسعتها لإقامة الوفود الرسمية بها والحجاج خلال زيارتهم للقدس وهم في طريقهم للحج او عند عودتهم من الديار المقدسة، وزيارة الزعيم الهندي ظفر الله خان للقدس عام ، 1945 الذي صرح في مؤتمر صحفي أن مئة مليون مسلم سوف ينتفضون ضد السياسة البريطانية “وان عرب فلسطين ان لم ينصفوا إهتز العالم الاسلامي أخطر إهتزاز ,
وإن اصبح موقف حكومة الهند هذه الايام غير مساند للقضية الفلسطينية ومنحاز للكيان الصهيوني تماما وزيارة رئيس الحكومة الهندية ناريندارا مودي لاسرائيل في سبتمبر 2019 والتودد اليها ، أضعف موقف المسلمين والاحرار من القضية الفلسطينية والتي غابت تماما عن اجندة الرئيس الهندي
وبقيت الزاوية الهندية وحتى يومنا هذا كانت مقرا يتوافد عليه السفراء والوزراء الهنود المسلمين والمناصرين للقضية الفلسطينة وقد كانت الزاوية الهندية من الأماكن المحببة للشهيد فيصل الحسيني ابن القدس الوفي الذي كان يحب الاجتماع فيها لدورها الاجتماعي والسياسي في المدينة
عدد أفراد عائلة الأنصاري الهندية حاليا عشرون شخصا أو أكثر، يشعرون بانتماء كبير للقدس ولا يرون أنهم أقلية أو حقوقهم منقوصة بل هم مندمجون ومنصهرون مع الشعب الفلسطيني والشيخ نظير الابن يزور الهند كل سنتين ويحرص على جمع التبرعات من اجل المحافظة على الزاوية المعرضة للتهديد والمصادرة من قبل الاحتلال الصهيوني
باحثة ومؤرخة
Comments